محمد الإمبابي يكتب..بذرة التطرف الأولى
الحدثبذرة التطرف تنمو وتتطور كما نتطور، ومن حين لأخر تزيد هذه البذرة نضجا في عقل الفرد وقلبه، تنمو لتشب تفرقة بين المصنفين، فيقوم كل صنف بالتفرقة بينه وبين الأخر، وتترعرع براعم التمييز قولًا وفعلا، لتثمر بعد قليل أو كثير متطرف يقف خلف تصنيفه وتأويله في كراهية الأخر وتفضيل نفسه ومنهجه أصله ونسبه أو لونه وعرقه ودينه وقناعته على سائر المناهج والأصول والأنساب والأعراق والأديان.
أشواك التمييز تضرب في الإنسان المغلق الذي لايرى إلا من خلال ثقوب لا تسمح له بأن يرى جيدًا أو يعي حق الجميع في مساواة قانونية وتكافؤ حقيقي للفرص، فالبيض في جنوب أفريقيا أهانوا السود بما وضعوه من قانون الفصل العنصري المعروف باسم "الابارتيد" واحتقروا به كل ذوي البشرة السمراء، وكان السبب الرئيسي الذي أعلنه البيض لاستعباد السود وتجريدهم من حقوقهم هو تميز أصحاب البشرة البيضاء مقابل انحطاط السود.
ومرت حقبة زمنية من كفاح السود لنيل حقوقهم من البيض المتطرفين، المنحازين قولًا وفعلًا ضد غيرهم من الأجناس أسود كان أو حتى من الجنس الأصفر (دول شرق أسيا)، وشهدت أوربا وأمريكا أحداث ووقائع دامية بين الطرفين حتى وصل البيض لقناعة أن التمييز واستغلال الإنسان صاحب البشرة السمراء لن يجدي نفعا بل يجلب حربا ودما.
وبدأت سلسلة جديدة من التطرف تغزو العالم مع ظهور تصنيف جديد لم يؤدي لتطرف يوما ما في العالم الإسلامي وهو ظهور جماعة الإخوان المسلمين الذي قامت بتصنيف الإنسان وفق الدين، نحن المسلمون وهم المسيحيون، وهؤلاء يهود، وأولئك الكفار، ومع انتهاء عصر الاستعمار الأحنبي وخروج المستعمرين، بدأ فصل جديد من فصول التصنيف والتفريق بين المسلمين عامة والإخوان المسلمين خاصة، فالعامة مارقون وجاهلون ومبتدعون وربما كافرون.
الجماعة تربي أبنائها على أخوة تربط بين أعضائها وتميزهم عن الأخرون، باعتبار الإخوان على الحق المبين والإسلام الصحيح، وما مارسوه من تمييز وتفريق انقلب عليهم مرتين الأولى، حين انسلخ بعض أعضائها يكونون جماعات دينية أخرى تدعي إسلامها الصحيح، السلفية بتياراتها المختلفة وغيرهم من التيارات الأخرى، وطبيعي أن تأخذهم عملية التفرقة والتمييز لتطرف في السلوك، فيصبح عنيف مسلح لاهوادة فيه، حرق الأخر وقتله لاختلافه عن مايؤمنون به، ولايولد العنف إلا العنف، ولن نستطيع أن نأمن شرهم جميعا كمصريين؛ إلا بإدراك قيمة الاختلاف في الأعراق والتوجهات والاختلافات بيننا، كي نسد عليهم باب التفرقة والمزايدات كلما نزل فيلم أو استمعنا لأغنية، بثوا سموم الفرقة والحرام والحلال، أما الأن فيكفي لردع هؤلاء كلمات الرئيس ودعمه المتواصل للأختلاف وحرية الرأي والإبداع، وجهاز أمني قادر على ضرب بؤر تربية الكوادر المتطرفة في أقاليم مصر المختلفة.
نوع أخر ينمو ويترعرع داخل المجتمع من ما يعرف بجماعات التنوير، الذين يتمسكون بأفكارهم ولايقبلون بالنقاش، يدعون لحرية الفكر والعقيدة ومع المخالفة الأولى لأرائهم تجد هجوم واتهام وتصنيف وتمييز، بالرغم من وجودهم في طور التصنيف والتفريق والتطرف حتى الأن لكن من التاريخ نستطيع أن نقول لهم إن التنويريين الحقيقيين هم عباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم، من طرحوا أفكارهم للعامة دون تهجم أو تطرف أو ادعاء، توفيق الحكيم وهو حكيم عصره؛ اعترف للكاتب صلاح منتصر وهو على فراش المرض إنه يشعر بالتقصير في أداء الطقوس الدينية. تختلف أو تتفق ولكنه لم يدعي أنه كامل الفكر والفكرة.
ولامانع من التصنيف بين البشر فهو عملية تساعدنا على فهم العالم والأخر بشكل أكبر، إنما المانع والعائق أن يتبع التصنيف بين البشر تفرقة وتمييز واعتقاد كل صنف إنه الصنف الأجود المختار والمأمور باستغلال أو إجبار الأخرين على معتقداته الدينية أو الفكرية، ولا ولن نملك سوى الحوار بين اختلافاتنا لتسوية نزاعاتنا وترويض نوازعنا وانطلاق مجتمعنا نحو أفاق أرحب وأصفى.